نقل بعض رفقائنا و أصدقائنا النجفيّين عن أحد كبار رجال العلم والمدرّسين في النجف الاشرف أنّه قال: كنتُ في شكّ في أمر المرحوم استاذ العلماء العاملين و قدوة أهل الحقّ و اليقين و السيدّ الاعظم و السند الافخم و طود أسرار ربّ العالمين الحاج الميرزا علی آقا القاضي الطباطبائي رضوان اللَه عليه و بشأن أحواله التي تطرق سمعي و المطالب التي تنقل عنه أحياناً.
و كنت أتساءل: أصحيح أنّه يمتلك هذه الامور أم لا؟ أو صحيح انّ هؤلاء التلامذة الذين يقوم بتربيتهم يمتلكون كذا و كذا من الحالات والملكات و الكمالات أم أنّ ذلك أمر و هميّ؟
ظلّ هذا الامر حديث نفسي لمدّة من الزمن، و لم يكن لاحد علم بذلك، حتّي ذهبتُ يوماً الی مسجد الكوفة لاداء الصلاة و العبادة و لاداء بعض الاعمال التي وردت لذلك المسجد. و كان المرحوم القاضي (رضوان اللَه عليه) كثيراً ما يذهب الی مسجد الكوفة، و كان له حجرة خاصة للعبادة هناك، و كان له تعلّق خاصّ بهذا المسجد و بمسجد السهلة، فكان يقضي فيهما الكثير من الليالي ساهراً في العبادة الی الصباح. يقول: التقيتُ بالمرحوم القاضي (رحمة اللَه عليه) خارج المسجد فسلّمنا علی بعضنا و تبادلنا الاستفسار عن الاحوال و تحدّثنا مع بعضنا مدّة حتّي وصلنا خلف المسجد فجلسنا علی الارض بجوار تلك الجدران العالية التي تشكّل حيطان المسجد من جهة القبلة لنستريح هنيئة ثمّ نذهب الی المسجد. و كنّا مشغولين بالحديث، و كان المرحوم القاضي (رحمة اللَهعليه) يحكي قصصاً و حكايات عن الاسرار و الآيات الالهيّة، و يبيّن مطالب عن مقام جلالة التوحيد و عظمته و عن السير في هذا الطريق، و في انّه الهدف الوحيد من خلق الانسان، و يقيم الادلّة علی هذا الامر.
و لقد حدّثتني نفسي آنذاك فقلت: انّنا فعلاً في شكّ و شبهة لا نعلم ما الامر، و اذا ما انقضي العمر علی هذا المنوال، فلنا الويل إن تبيّن انّ هناك حقيقةً ما لم نُدركها، الويل لنا عندئذٍ. و لكنّنا ـ من جهة أخري ـ لا نعلم أصوابٌ ذلك الامر لنتّبعه أم انّه ليس صواباً.
و في هذه الاثناء خرجت حيّة من الجدران و انسابت أمامنا تسير بمحَاذاة جدار المسجد؛ و كانت الافاعي كثيرة في تلك المناطق بحيث يشاهدها أغلب الاهالي، بيد انّه لم يُسمع انّها لدغت أحداً حتّي الآن.
و حالما وصلت الحيّة أمامنا و كنتُ في فزع منها، أشار المرحوم القاضي (رحمة اللَه عليه) اليها و قال: مُتْ بإِذْنِ اللَهِ!
فتيبّست الحيّة في مكانها ميّتة. ثمّ عاد المرحوم القاضي (رضوان اللَه عليه) الی الحديث الذي كان يدور بيننا بدون أن يلقي اهتماماً للامر، ثمّ نهضنا و ذهبنا داخل المسجد فصلّي المرحوم القاضي ركعتين في وسط المسجد ثمّ ذهب الی غرفته، و كنت أقوم ببعض أعمال المسجد علی أن أعود الی النجف الاشرف بعد إكمالها. و اثناء تلك الاعمال خطر في خاطري سؤال: أكان هذا العمل الذي اجترحه هذا الرجل واقعيّاً أم تمويهاً و خداعاً للعين كالسحر الذي يفعله السَّحرة؟ من الحريّ أن أذهب فأريهل انّ الحية ميّتة حقاً ام انّها عادت الی الحياة و هربت.
كان هذا الخاطر يهاجمني بشدة حتي أنهيت الاعمال التي قرّرت القيام بها و خرجت علی الفور من المسجد نحو المكان الذي جلستُ فيه مع المرحوم القاضي (رضوان اللَه عليه)، فشاهدتُ الحيّة متيبّسة ملقاةً علی الارض، ثمّ ركلتُها بقدمي فرأيتُ أن لا حراك فيها أبداً.
عدتُ الی المسجد و أنا في غاية التأثّر و الخجل لاصلّي عدّة ركعات أخري فلم أقدر علی ذلك، فقد تملّكني هذا التفكير: إن كانت هذه المسائل أموراً حقيقيّة فلم لم نلتفت اليها أبداً؟
كان المرحوم القاضي (رحمة اللَه عليه) مدّة في حجرته مشغولاً بالعبادة، ثمّ خرج منها و غادر المسجد متّجهاً الی النجف، فخرجتُ أنا الآخر و التقينا من جديد عند باب المسجد، فتبسم ذلك المرحوم في وجهي و قال: حسناً، إمتحنتَ الامر أيضاً أيّها العزيز، إمتحنتَه أيضاً؟
بلي، لقد تحقّق هذا العمل بواسطة اسم المُميت من أسماء اللَه تعاليفتمّ قبض الروح بواسطته. و النكتة التي تستحقّ التأمّل و الملاحظة هنا هي انّ أميرالمؤمنين عليه السلام حينما كان يفعل كلّ هذه العجائب و الغرائب في الحروب و غيرها و يقوم بخوارق العادات هذه بيد الولاية، أكان يستعين فيها بملائكة اللَه و يستمدّ العون منهم، أم انّ القدرة الالهيّة كانت تتجلّي في وجوده وفي روحه المقدّسة التيتعلو علی مقام عزرائيل و سائر الملائكة الالهييّن المقرّبين بدون ان يكون لهم دور الوساطة في ذلك، فيجترح الكرامات بتلك القدرة و القوّة؟ و هو ما يتطلّب بحثاً مستقلاّ ستتمّ مناقشته في موضعه ان شاء اللَه تعالي، و نكتفي هنا بهذه الإشارة اليه.
كان هذا القدر من البحث عائداً الی الاحتمال الاوّل و هو انّ لفظ غيرهم معطوف علی الملائكة. امّا الاحتمال الثاني فهو انّ لفظ غيرهم كان معطوفاً علی مَنْ يَشَاءُ، فيكون المعني آنذاك انّ اللَه عزّ و جل يقبض الروح بواسطة من يشاء من الملائكة و يقبض الروح بدون وساطة الملائكة.
و يمكن في هذه الحال ان يكون المراد بغير الملائكة الوجود المقدّس للَه تعالي نفسه، علی الرغم من انّ هذا المعني يرجع الی العالين الذين يقبض اللَه سبحانه الارواح بواسطتهم، لانّ العالين هم الافراد الفانين في الذات الالهيّة و المتحقّقين بالاسماء الكليّة الالهيّة، و عليه فانّ فعلهم يمكن أن يُعدّ عين فعل اللَه حقّاً، و أن يعبّر عن قبض الارواح بواسطتهم بأنّه قبض الارواح بواسطة اللَه تعالي.
المصدر
http://www.maarefislam.org/doreholomvamaarefislam/bookscontent/maadshenasi-arabic/maad1/maad1.6.htm