ثالوث السعادة
تتميز الفلسفة الإنجليزية بالوضوح الموضوعي، مقارنة بالفلسفات الفرنسية والألمانية الأعمق والأعسر على الفهم، لذا فى مبحث عويص كالسعادة قد نجد الاجابات الأسهل عند فيلسوف إنجليزى مثل برتراند رسل
هو لم يفعل كما فعلنا فى السابق بالبحث عن معنى وتعريف للسعادة فمن الوجهة العملية ماهية السعادة لا تعنى أحدا، المهم الأسباب التى تجعل هذا الأحد سعيدا وإذا غابت أشقته
يقول راسل بثلاثة عوامل مؤهلة للسعادة:
علاقات شخصية ناجحة فى محيط الأسرة والأصدقاء،
علاقات عمل ناجحة،
صحة جيدة
بهذه المعايير يسهل على المرء أن يحسب إن كان سعيدا أم لا، وبإمكانك أن تعتمدها فهى معقولة الى حد ما، إذا توافرت أنت مؤهل لأن تكون سعيدا، إلا أنه مجرد تأهيل لا يضمن التحصيل ، ولازال الموضوع بحاجة الى إيضاحات.
لاحظ أن اقتراحات راسل تضع النسبة الأكبر من سعادتك فى أيد الآخرين، فى دائرتى الحياة الشخصية والعمل، وذلك موقف غير مطمئن ولعله خطر، فالآخر هو الجحيم كما قال سارتر، وغالبيتهم غير جديرين بأن تدع سعادتك بين أيديهم، وتردى الصحة لا مفر منه وتزداد إحتمالاته مع تقدم العمر. فإن كانت سعادتك تعنى لك الكثير (وأظنها كذلك) فمن الخطر أن تدعها لعوامل لا سيطرة لك عليها
لا أود أن أبدو كمحامى الشقاء، ولا أريد أيضا أن أخدعك بإيهامات وردية، لأنها عوامل إحتمال وفائها بشروط السعادة ضئيل، ومن ثم فنصيحتى لك ولنفسى ألا تطارد ما بيد الغير ولا تتوقعه، الأصوب أن تعتمد على نفسك بأن تقلل ما أستطعت من عوامل التكدير الصادرة منهم، وأن تحييد أضرارهم على سعادتك ما استطعت بتقييد توقعاتك بشأنهم، فإن فاقوا توقعاتك فأنت محظوظ وهنيئا لك بسعادتك، وإن قصروا فهذا ما توقعته ولا جديد تحت الشمس
قلت لك من قبل أن الدنيا غير مصممة لتحقيق سعادة، هذه ليست طبيعتها ولا عملها ولا المقصود منها، ولا السعادة حقا طبيعى على الدنيا والناس أن يوفروه لك ، أما سؤال فالى غرض نحن هنا ؟ فيطول شرحه وإجابته وليس موضوعنا، يكفى أن تعرف أن العالم والآخرين ليسوا مسؤولين عن توفير سعادتك فإن كنت تعتقد بغير ذلك فمن المؤكد أنك من النوع الأنانى الذى لا يستحق سعادة ووجودك من عوامل تبديد سعادة الآخرين.
فهم معنى السعادة وتحصيلها عمليا يتطلب درجة عالية من الحكمة، والحكمة ليست ضالة الناس فما أغلبهم بمؤمنين وإن إدعوا، وكثيرون يدعون بأنهم سعداء وما هم بكذلك، إنما شبه لهم باختلاط معنى السعادة مع ما هو فى حقيقته متع وإشباعات نفسية ومباهج هستيرية، أكثر أشكال البهجة والسرور هيستيرى المصدر!